بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
ما هو المقصود من هذا الحديث: كل عمل ابن آدم.....إلا الصيام........؟
أيها الأخوة الأكارم, أوامر الله سبحانه وتعالى لا تحدُّ فوائدها، لا زلنا في الصيام، إذا أمرنا الله سبحانه وتعالى بترك الطعام والشراب, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ:
((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي, وَأَنَا أَجْزِي بِهِ))
[أخرجه البخاري في الصحيح] كيف؟ قد يقول الأب لابنه: اجتهد، والاجتهاد لك، لا تكذب، وترك الكذب له، نظِّف أسنانك، وتنظيف الأسنان له، أيُّ أمرٍ يأمر الأب به ابنه، يعود هذا الخير على الابن وحده .
أحياناً، يأمر الأب ابنه، أن يدع الطعام، والطعام مباح، هذا الأمر، له حكمةٌ أخرى، يعني الله سبحانه وتعالى، وله المثل الأعلى، أمرنا بترك الغيبة، أمرنا بترك النميمة، أمرنا بغضِّ البصر، أمرنا بالصلاة، أيُّ أمرٍ أمرنا به، إنما يعود خيره علينا وحدنا، ولكنه أمرنا بالصيام، الطعام مباح، والماء مباح، فهذا الترك، يعني شيئاً واحداً، هو الإخلاص لله عزَّ وجل .
يعني أكثر العبادات يتمُّ بشكلٍ علني، وقد يداخل المرء في هذه العبادات بعض الزهو، ولكن الصيام، عبادة الإخلاص، أنت في البيت، لا يراك أحد، ولا زوجتك، ولا أولادك، أنت في غرفةٍ, والباب مرتج، ما الذي يمنعك أن تشرب كأس ماءٍ بارد، والحر شديد؟ يمنعك شيءٌ واحد، مراقبتك لله عزَّ وجل، فهذه العبادة تنمِّي الإخلاص لله عزَّ وجل .
لو جلسنا الساعات الطوال, لنستنبط فوائد الصيام، هذه الساعات الطوال لا تكفي، لأن أمر الله سبحانه وتعالى مبارك، ومعنى مبارك، أي كثير الخير، لا يعقل أن نحصي فوائد الصيام، ولكنَّ الصيام أيضاً من العبادات التي تعلِّم الإخلاص لله عزَّ وجل، من العبادات التي تعلِّم قوة الإرادة، من العبادات التي تعلِّم الصبر، والصوم نصف الصبر، والصبر نصف الإيمان .
الفوائد الجسمية التي تعود على الصائم بسبب الصوم :
أيها الأخوة, لا بدَّ من أن يكون للصيام، فوائد جسميةٌ كثيرة، من هذه الفوائد: أن المعدة، والجهاز الهضمي، تأخذ إجازةً في رمضان، يستريح جهاز الدوران والقلب، وتستريح جهاز الكليتين والتصفية، هذه الأجهزة الخطيرة التي إذا أصابها العطب، انقلبت حياة الإنسان إلى شقاء, إذا توقَّفت الكليتان توقُّفاً مفاجئاً، شيءٌ لا يحتمل، إذا أصيب القلب بالضعف، إذا ضاقت الشرايين، إذا تصلَّبت الشرايين، إذا احتشى القلب، هناك أمراضٌ تصيب القلب لا تعدُّ ولا تحصى ، هناك أمراضٌ تصيب الأوعية، لا تعدُّ ولا تحصى، هناك أمراضٌ تصيب المعدة والأمعاء، لا تعدُّ ولا تحصى، هناك أمراضٌ تصيب الكبد، هناك أمراضٌ تصيب جهاز البول .
هذه الأجهزة الخطيرة؛ جهاز الدوران، وجهاز الهضم، وجهاز طرح الفضلات، هذه الأجهزة، الصيام وقايةٌ لها, وإن لم يكن علاجاً لها .
إليكم ما كتب في هذه المقالة :
أيها الأخوة, قرأت مقالةً عن أمراض القلب، لفت نظري في مقدمتها، الكلام التالي: إنَّ عمل القلب وسلامته, منوطٌ بحجم الطعام في المعدة, ونوعه, لذلك أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام بالاعتدال في الطعام والشراب، وأمرنا الله سبحانه وتعالى, بقوله:
﴿يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 31] يأتي شهر الصيام ليصلح الخطأ عند من تجاوز الحد في الطعام والشراب، ليصلح الاعوجاج، ليصلح التعفُّنات التي في جهاز الهضم، ليصلح الوزن الذي زاد عن حدِّه الطبيعي، إن شهر الصيام يأتي ليضع حداً للأغلاط التي يرتكبها الإنسان في أشهر السنة, أما إذا كان الإنسان مطبقاً للسنة النبوية، فشهر الصيام يزيده صحةً ونشاطاً .
ما هو المقصود من كلام الغزالي: الخير كله مجموع في خزائن الجوع ؟
أيها الأخوة, في كتاب الإحياء، عقد الغزالي فصلاً أو باباً كبيراً عن فضائل الجوع، فقال: الخير كلُّه مجموعٌ في خزائن الجوع .
ليس المعنى الجوع الشديد، ولكن الاعتدال في الطعام والشراب، لأن البطنة تذهب الفطنة، كثرة الطعام، وإدخال الطعام على الطعام، وإكثار وجبات الطعام، هذه تصيب الإنسان بالكسل، والخمول، والركود، والأمعاء بالتعفُّن، والقلب بالإرهاق، يأتي شهر الصيام ليجدد الصحة.
جسمك مطيَّتك في هذه الدنيا، لنا عمرٌ محدود، ولكن إما أن نمضي هذا العمر واقفين نشيطين، وإما أن نمضيه مستلقين على أسرّتنا، وشتَّان بين الحالتين .
أيها الأخوة المؤمنون, لا يتَّسع الوقت كلُّه للحديث عن فوائد الصيام، أثر عن النبي عليه الصلاة والسلام، أنه قال:
((صوموا تصحوا))
معنى الصحة هنا، الوقاية من الأمراض، إنَّك إذا أدَّيت صيام هذا الشهر على التمام والكمال، فقد وقيت جسمك من الأمراض الوبيلة التي لا قبل لك بها .خطأ شائع :
أيها الأخوة, هذا الذي يمتنع عن الطعام والشراب في يوم الصيام، فإذا جلس إلى المائدة، أكل أكل الجمال، هذا لم يحقق الهدف من الصيام، لا بدَّ من الاعتدال في الطعام والشراب في أيام الصيام، أما إذا جعلت الوجبات الثلاث النهارية في رمضان ليلية، ماذا يحصل؟ ثلاث وجبات؛ مع الإفطار وجبةٌ دسمة، تجعله يقعد فلا يقوم، وعند منتصف الليل وجبةٌ أخرى، وعند السحور وجبةٌ أخرى، هذا الذي صام قلب وجبات النهار إلى وجباتٍ ليلية، وما فعل شيئاً، بقيت الأعطاب، والأمراض، والإرهاق, كما هو .
والحمد لله رب العالمين