أسباب اللجوء إلى الكذب
من العادات الاجتماعيّة الذّميمة التي انتشرت في مجتمعاتنا انتشار النّار في الهشيم عادة الكذب، فالكذب هو آفةٌ بلا شكّ من آفات اللّسان وسقطاته وتعريف الكذب بأّنّه قول أو كلام يخالف الحقيقة ويجافيها، والكذب ليس له أنواع كما يدّعي بعض النّاس فيقولون هذا كذب أبيض وهذا أسود، فالكذب هو الكذب الذي لا تبرّره أيّ أعراف أو شرائع سماويّة ولا يجوز إلاّ في حدودٍ ضيّقة جدًا، والحقيقة إنّ انتشار الكذب بين النّاس مردّه إلى أسباب وعوامل مختلفة، فلماذا يكذب الإنسان؟
يكذب الإنسان لظنّه أنّ الكذب هو وسيلة النّجاة و الخروج من المآزق، فكثيرًا من النّاس يظنّ أنّ الكذب ينجّيه من المواقف الصّعبة و المحرجة التي يتعرّض لها، والحقيقة أنّ ذلك ليس بصحيح فالكذب قد يفاقم المشكلة ويزيدها تعقيدًا وخاصّةً أذا اكتشف كذب الإنسان، وكما قيل في الحكمة الشّهيرة أنّ حبل الكذب قصير، والأصل أن يصدُق الإنسان في مواقفه كلّها بدون أن يلجأ للكذب ذلك أنّ الصّدق منجاةٌ للإنسان وإنّ ظنّ في ظاهر الأمر أنّه سيوقعه في المشاكل أو لا يتمكن بسببه من الخروج من الموقف الصّعب والمآزق .
اختلاف معايير الناس ونظرتهم إلى كثيرٍ من العادات السّلوكيّة في الحياة، فالنّاس على مرّ العصور تختلف نظرتهم إلى بعض العادات السّلوكيّة تبعًا لتغيير الحياة وهذا أمرٌ غير مبرّر حتمًا، فالقيم والأخلاقيّات المستمدة من الدّين والثّقافة الإنسانيّة والأعراف ينبغي أن تكون الحكم دائمًا على سلوكيّات الإنسان وتصرّفاته على اختلاف الأزمان، فالغيبة والنّميمة هي من آفات اللّسان ومن السّلوكيّات الاجتماعيّة المرفوضة عرفًا وشرعًا، وكذلك هو الكذب الذي أصبح كثيرٌ من النّاس يعتبره نوعاً من أنواع الحذاقة والمهارة في القدرة على التصرّف بذكاء للخروج من المشاكل والمواقف الصّعبة وتجنّبها، وممّا يدمي القلب أن يشار إلى الكاذب في مجتمعاتنا أحيانًا بالبنان على أنّه حاذق ذكيّ اجتماعيًّا لممارسته الكذب في حياته وعلاقاته، والأصل أن تبقى تلك السّلوكيّات خاطئة مجرّمة في المجتمع.
تقليد الآخرين، فهناك عدد من الناس ينظر إلى من يكذب بغية التّأسي والاقتداء وخاصّةً إذا وجد أنّ له حضوراً وتأثيرًا في مجتمعه، والأصل هو تقليد النّاس الصّالحين الذين يلتزمون بالأخلاقيّات في كلامهم وسلوكهم وحياتهم .
الفهم الخاطىء لما رخّصت به الشّريعة الإسلاميّة من القول المخالف للحقيقة في حدود ضيّقة، فنحن نعلم بأنّ ديننا قد رخّص للإنسان أن يكذب في مواقف معيّنة منها عندما يسعى بالإصلاح بين النّاس فينمّي خيرًا، أو بين الزّوجين أو في حالة الحرب، والأصل أن يلتزم الإنسان بتلك المواقف وأن لا يتعدّاها إلى غيرها أو يتوسّع فيها ويتّخذها عادة.