من نعم الله على عبده نجد لحظة توفيق واحدة تكافىء أعواما من الجهد والتعب , ولحظة تبصر واحدة تساوي سنين من المحاولة والمعاناة , من أجل ذلك يجب أن نركن إلى ركن ركين , ونلجأ إلى قوي عزيز , ونحتمي بحمى خبير حكيم , نخلص له سبحانه ونصدق في تقربنا إليه عزوجل , سائلين الهداية والتوفيق والبصيرة ..
والله سبحانه قد أعلمنا أن الطريق إليه سبحانه هو طريق الأنقياء الأتقياء , وهو ليس طريقا يتميز الناس فيه يميزات دنيوية مكتسبة , بل يتميز فيه الناس بكسب الصالحات , ونقاء السريرة , وطهارة القلوب
فالأغنياء عند الله سبحانه لايفضلون على الفقراء , ولا الاقوياء يتميزون عن الضعفاء , ثم معيار واحد فقط في ميزان الله سبحانه , هو معيار التقوى والصلاح , وعندئذ يبدأ التمايز
إن لحظات التوفيق هي منة ربانية , ونعمة ألهية , يمن بها سبحانه على القلوب النقية الصادقة , إذ يعلم منها سبحانه حقيقتها البيضاء , ويطلع على سريرتها الشفافة , فهو خبير بها بينما هي في وحدتها وخلوتها , وبينما دمعاتها تتساقط خشية وخضوعا وخشوعا , وبينما ترتعد أرجاؤها رهبة من مقامه سبحانه العظيم
وهو معها في مواطن الحياة كلها , لا تغيب عنه , يرى منها مسارعتها في الطاعات , وحبها للمكارم والفضائل , وسرورها بمعونة الناس , وسكونها في صحبة الخير , ورغبتها في نشر الهدى , وسعيها في تحقيق الإصلاح , فيمن عليها برحمته , وتحفها ملائكته , ويهديها الرشد , ويلهمها البصيرة .
أفيظن أصحاب القلوب الماكرة السوداء , وأصحاب النفوس الخبيثة الظلماء أن يستووا مع هؤلاء الأتقياء الأنقياء ؟! , أفيظن هؤلاء الذين اجترحوا المنكرات وولغوا في المظالم , وتكبروا على التوبة , وفتنوا عباد الله , وعادوا منهاجه ورسالته , ومنعوا الهدى أن ينتشر بين الخلق , وعاثوا فسادا في كل مكان حلوا فيه , أن يستووا مع الصالحين المخبتين التائبين العابدين الشاكرين ؟ " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ۚ ساء ما يحكمون "
لقد أمر الله سبحانه بالعدل والإحسان , وقام ميزانه في الكون على العدل والإحسان , فوعد الأتقياء بالنصر , ووعد المصلحين بحسن العاقبة , وجعل صدورهم مليئة بالبشرى بموعوده سبحانه , مهما عانوا في هذه الحياة , وأوعد الظالمين بالعقوبة , وجعل لهم معيشة ضنكا مهما حاولوا أن يعيشوا في زخرف ومتاع
قال سبحانه : " إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ , أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ , إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ , دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "