[rtl]هابيل وقابيل[/rtl]
[rtl]البشر كُلُّهم في كلِّ مكانٍ وزمانٍ من أبٍ واحدٍ وأمٍّ واحدةٍ ، هما "آدم" و"حواء".[/rtl]
[rtl]ولم يكن "آدم"ـ عليه السلام ـ هو أوَّل مخلوق خلقه الله تعالى[/rtl]
[rtl] فقد خلق الله -تعالى- قبله السماوات[/rtl]
[rtl] والأرض وخلق الملائكة والجن ، وقد خلق الله - تعالى- الملائكة من نور[/rtl]
[rtl] وخلق الجن من النار، أمَّا "آدم" فقد خلقه الله من طين، ثم سواه بيده[/rtl]
[rtl] ونفخ فيه من روحه؛ فصار بشرًا حيًّا[/rtl]
[rtl]وأمر الله -تعالى- الملائكة بالسجود لآدم؛ تكريمًا له[/rtl]
[rtl] وإظهارًا لما اختصه الله به من الفضل, فسجدت له الملائكة[/rtl]
[rtl]جميعًا إلا "إبليس" الذي امتلأ قلبه بالغيرة والحسد لآدم على تلك المكانة والمنزلة الرفيعة التي[/rtl]
[rtl] لم ينلها أحدٌ غيره، فأخذه الغرور والكبر، ورفض السجود لآدم، وراح يجادل ربه[/rtl]
[rtl]وقال في كبرٍ وغرورٍ متحديًا أمر الله تعالى : أسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا " (الإسراء 61)[/rtl]
[rtl]وراح يعلل رفضه السجود مفتخرًا متعاليًا :[/rtl]
[rtl]" أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ " (الأعراف 12 )[/rtl]
[rtl]كان "إبليس" أول من عصى الله، وتمرَّد عليه ، وتملكه الكبر والغرور، ونسي أن ما يتباهى[/rtl]
[rtl] به هو نعمة من الله عليه، وأنه هو نفسه من صنع الله وأحد مخلوقاته العديدة[/rtl]
[rtl] التي لا تُعَدُّ ولا تُحصَى؛ فكان جزاؤه أن طرده الله من الجنة[/rtl]
[rtl]لكن "إبليس" لم يعتبر بما حدث له ، وإنما استمرَّ على عناده وتكبره[/rtl]
[rtl] وامتلأ قلبه بالحقد على "آدم" والحسد له[/rtl]
[rtl] فأراد أن يغوي "آدم" ويضله، ويدفعه إلى المعصية فيتعرَّض لغضب الله تعالى.[/rtl]
[rtl]طلب"إبليس"من الله-تعالى- أن يمهله , فأمهله الله - تعالى- إلى يوم القيامة.[/rtl]
[rtl]وأسكن الله - تعالى- "آدم" ـ عليه السلام ـ في الجنة، بعد أن خلق له زوجته "حواء" من أحد أضلاعه[/rtl]
[rtl] لتؤنسه في حياته فلا يعيش وحيدًا في تلك الجنَّة العظيمة، وأباح الله لهما كل ثمار الجنة[/rtl]
[rtl]يأكلان منها كيف شاءا، لكن الله حذرهما من الاقتراب من شجرة معينة حدَّدَها لهما[/rtl]
[rtl] وحرم عليهما أن يتناولا شيئًا من ثمارها، حتَّى لا يتعرضا لغضب الله وعقابه[/rtl]
[rtl]و وجد "إبليس" أن الفرصة قد أصبحت سانحة له لتحقيق هدفه، فسعى إلى غواية "آدم" -عليه السلام[/rtl]
[rtl] وزوجته "حواء"، فراح يتقرَّب إليهما، ويتصنع النصح والإخلاص لهما، وأخذ يوسوس إليهما في مكرٍ[/rtl]
[rtl] ويحاول إغرائهما في دهاءٍ، ثم أقسم لهما أنه ناصح أمين[/rtl]
[rtl] وقال[/rtl]
[rtl] مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ الأعراف 20 [/rtl]
[rtl]اسـتطاع "إبليس" بمكـره ودهـائه أن يغري "آدم" و "حـواء" بالأكل من تلك الشجرة المحرمة[/rtl]
[rtl] حتى ضعفت إرادتهما أمام إغرائه وإلحاحه ووسوسته، فاستجابا له في النهاية؛ فأكل "آدم" وزوجته[/rtl]
[rtl] من الشجرة التي نهاهما الله عنها، فكانت تلك المعصية سببا في خروجهما من الجنة و نزولهما إلى الأرض[/rtl]
[rtl]لم يكـن "إبليس" ليدع "آدم" لينعم بالأمن والسـلام على الأرض، فقد كانت تلك هي البداية .[/rtl]
[rtl]أراد "إبليس" أن يدفع البشر جميعًا من أبناء "آدم" وذريَّته إلى المعصية، وأن يشعل بينهم العداوة والبغضاء[/rtl]
[rtl] فراح يوسوس لأبناء "آدم" حتى استطاع أن يوقع الفتنة بينهم[/rtl]
[rtl] وتمكن من إشعال نار العداوة والشقاق بين ابني "آدم" : "قابيل" وهابيل[/rtl]
[rtl]كانت "حواء" تضع في كل ولادة لها توأمين، ذكًرا وأنثى[/rtl]
[rtl] فولدت أوّلا "قابيل" وأخته "إقليما"، ثمَّ ولدت "هابيل" وأخته "لبودا[/rtl]
[rtl]فلما كبروا أمر الله "آدم" أن يزوِّج كلَّ واحدٍ من الأخوين توأمة الآخر[/rtl]
[rtl] لكن"قابيل" رفض، وصمم على الزواج من توأمته "إقليما[/rtl]
[rtl]فأخبره "آدم" أنها لاتحلُّ له، لكنه رفض، وأصرَّ على تشبثه وعناده، وعندئذ طلب "آدم" من الأخوين[/rtl]
[rtl]أن يقدِّم كل واحد منهما قربانًا لله، فمن يتقبَّل الله قربانه فهو أحقُّ بالزَّواج بها .[/rtl]
[rtl]أسرع "هابيل" يختار أفضل ما لديه من الغنم، فقدّم كبشًا سمينًا هو من أفضل ما لديه.[/rtl]
[rtl]أمَّا "قابيل" فقد أخذ حزمة من أردأ زرعه، وقدمها قربانًا[/rtl]
[rtl]وضع كُلٌّ من الأخوين قربانه فوق قمة أحد الجبال، ثمَّ نزلا من على الجبل[/rtl]
[rtl] ووقفا من بعيدٍ يراقبان ما سوف يحدث .[/rtl]
[rtl]وفجأة حدث شيء عجيب .. لقد أقبلت نار من السماء تخترق[/rtl]
[rtl] الفضاء بسرعة متَّجهة نحو قمَّة ذلك الجبل[/rtl]
[rtl] وفي لحظات انقضَّت النار على قربان"هابيل" فالتهمته وكانت[/rtl]
[rtl] هذه علامة قبول قربانه ، بينما لم تمسَّ النار قربان أخيه[/rtl]
[rtl]نظر"قابيل" نحو أخيه "هابيل" ، وقال له[/rtl]
[rtl]لماذا يتقبل الله منك قربانك ولا يتقبَّل منِّي[/rtl]
[rtl]قال "هابيل" مواسيًا وملاطفًا في مودَّةٍ وحُبٍّ[/rtl]
[rtl] إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ " . (المائدة 27)[/rtl]
[rtl]وهنا ثار"قابيل" ثورة عارمة، وقال بغضبٍ وانفعال[/rtl]
[rtl] سوف أقتلك .. فقال"هابيل" بلطفٍ ولينٍ [/rtl]
[rtl] لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ[/rtl]
[rtl] إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ المائدة 28[/rtl]
[rtl]ولكن هذه الكلمات الرقيقة المفعمة بالإيمان لم تنفذ إلى قلب "قابيل" القاسي[/rtl]
[rtl] الذي أوصد أذنيه أمام توسلات أخيه ، وجمد قلبه من كل مشاعر الحب والرحمة[/rtl]
[rtl]تمادى "قابيل" في غضبه وثورته، واندفع نحو أخيه فقتله[/rtl]
[rtl]وقف "قابيل" مذهولاً أمام جثَّة أخيه "هابيل"، وهو لا يصدِّق ما حدث، كان منظر أخيه المدرج[/rtl]
[rtl]في دمائه بشعًا قاسيًا، لم يدر كيف جاءته كلُّ تلك القسوة، حتى فعل بأخيه ما فعل[/rtl]
[rtl]وراح ينظر في صمتٍ وذهولٍ، وقد أظلمت الدنيا في وجهه[/rtl]
[rtl]سؤال واحدٌ كان يدور في ذهنه، ويلح عليه بشدة، لكنه لايجد له إجابة[/rtl]
[rtl] كيف يخفي جثَّة أخيه[/rtl]
[rtl]وبينما هو غارق في مخاوفه وأفكاره، رأى أمامه شيئًا عجيبًا، فقد أرسل الله إليه غرابا[/rtl]
[rtl]راح ينبش في الأرض حتى صنع حفرة فدفن فيها غرابا ميتاً، وقابيل ينظر إليه بدهشة وتعجُّبٍ[/rtl]
[rtl]وفجأة أمسك "قابيل" رأسه بين يديه، وراح ينتحب بصوتٍ عالٍ :[/rtl]
[rtl]" يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي " . (المائدة 31)[/rtl]
[rtl]وراح "قابيل" يقلَّد ما فعله ذلك الغراب الذي ساقه الله إليه ليعلِّمه كيف يدفن جثة أخيه[/rtl]
[rtl] ويكشف له عن مدى ضعفه وعجزه حتى أمام مثل هذا الطائر الصغير.[/rtl]
[rtl]وكانت تلك الجريمة البشعة أول جريمة في تاريخ البشرية.[/rtl]
[rtl]عندما علم "آدم" ـ عليه السلام ـ بما فعله ابنه "قابيل" بأخيه "هابيل" حزن كثيرًا، فقد كان "هابيل[/rtl]
[rtl] مثالاً للابن المؤمن بربه البار بوالديه، أما "قابيل" فقد شعر بالندم بعدما قتل أخاه. وقد عوَّض الله تعالى"آدم[/rtl]
[rtl]عليه السلام- عن فقد ابنه فأنجب بعد ذلك غلامًا اسمه "شيث"، وكان قد بلغ من العمر نحو مائة وثلاثين سنة[/rtl]
[rtl] ثمَّ وُلِدَ لآدم بعد ذلك الكثير من الأبناء والبنين، وعاش "آدم" ـ عليه السلام ـ بعد ذلك نحو ثمانمائة عام[/rtl]
[rtl] وحينما حضرته الوفاة عهد إلى ابنه "شيث" بالحفاظ على دين الله، وأوصاه بإقامة شرعه، وعبادة الله[/rtl] |